هل الواقع فعلاً كما نراه؟! 

هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها؟، بقدر ما تبدو هذه الأسئلة فلسفية تدعو للشك و التفكير لدى البعض، فإن البعض الآخر يراها أسئلة بدهية ذات إجابات يقينية. لذا فليكن العلم هو فيصلنا لنعرف أي الفئتين على صواب؛ فيا ترى كيف يجيب العلم على هذا السؤال؟

يمكن تناول هذا الموضوع من زوايا عدة، لكن لنجعل نقطة انطلاقنا هي كلمة “نرى”؛ الكلمة المحورية في سؤالنا.

أولاً: كيف تتم عملية الرؤية ؟

عندما يسقط الضوء على الأجسام فإنه ينعكس على العين، و من ثم تقوم القرنية في العين بتجميع هذه الأشعة الساقطة، ومن ثم تتكون الصورة في الشبكية التي ترسل رسائل عصبية إلى الدماغ و الذي بدوره يقوم بترجمة هذه الإشارات إلى صور وأشكال. من هذا الشرح المبسط نجد أن للضوء دوراً مهماً في عملية الرؤية، فما هو الضوء؟

ثانياً: الضوء

عندما نتحدث عن الضوء في هذا السياق فإننا نعني به الضوء المرئي أو الطيف المرئي و الذي هو عبارة عن موجات كهرومغناطيسية مرئية للعين البشرية. يتراوح نطاق الطول الموجي لهذا الطيف بين 400 و 700 نانومتر و الذي وُجِد أنه يتحلل إلى مجموعة من الموجات ذات الأطوال و الترددات المختلفة عندما يمر خلال منشور زجاجي، و هذه الموجات ما هي إلا ألوان الطيف السبعة المعروفة لدينا. 

ثالثاً: رؤية الألوان

هدفنا من الشرح السابق هو تفسير عملية رؤية الألوان و التي بدورها ستجيب على سؤالنا. عند سقوط الضوء على جسم ما ،فإن ذلك الجسم يمتص جزءاً من الترددات المرئية الساقطة عليه و يعكس ما تبقى. و من ثمّ تنفذ تلك الأطوال الموجية المنعكسة من الجسم إلى قرنية العين و من ثم إلى الشبكية و التي تحتوي على ثلاثة أنواع من الخلايا المخروطية (الخلايا المسؤولة عن الرؤية الملونة). هذه الخلايا تستجيب لثلاثة نطاقات مختلفة من الأطوال الموجية و كل نوع منها يتفاعل بشكل أكبر مع نطاق محدد من الأطوال الموجية، ويعمل على توليد إشارات كهربائية ترسل إلى الدماغ. و من ثم يقوم الدماغ باستلام تلك الإشارات ومعالجتها عن طريق مقارنة شدة الاستجابة من كل نوع من الخلايا المخروطية، و لكي يستطيع الدماغ التمييز بين ترددات الضوء المختلفة فإن يترجمها على هيئة ألوان!. بعبارة أخرى، هذا يعني أن اللون ليس صفة في المادة، وإنما هو موجود في أدمغتنا فقط؛ التفاحة الحمراء ليست إلا جسماً قد امتص كافة الأشعة الساقطة عليه باستثناء موجة ضوئية ذات طول موجي معين، ف ترجمها الدماغ و أطلق عليها مصطلح اللون الأحمر. 

يتضح من هذا أن ذلك الأحمر القاني و الأصفر الفاقع، هما  مجرد اهتزازات في الفراغ. قد يبدو هذا محبطاً، لكن في الحقيقة إنه لأمر يدعو للدهشة ؛ إذا كانت هذه الألوان هي الطريقة التي تفسر بها عقولنا الموجات الضوئية ،فيا ترى كيف تفسرها بقية المخلوقات، هل يرون الدنيا مثل ما نراها، أيا ترى هل ذلك الطائر الذي يحلق عالياً في السماء، هل يراها زرقاء كما نراها؟ ، و هل يرى العشب أخضراً؟! ، كيف هي دنياه و ما هي ألوانها!. و لم نسأل الطيور و نحن نستطيع أن نسأل البشر؛ هناك فئة من البشر يعانون من اضطراب في تلك الخلايا المخروطية المسؤولة عن الرؤية الملونة، وهم مصابون بما يعرف بعمى الألوان، هذه الفئة من الناس يرون الأشياء بطريقة مختلفة عن باقي البشر، و لكي تتضح الفكرة، انظر إلى الصور أدناه:

في الصورة مقارنة بين الرؤية الطبيعية للألوان وأحد أنواع عمى الألوان الجزئي: عتامة البصر الأحمر (البروتانوبيا)

 أما هذه الصورة توضح لنا الفرق بين ما يراه البشر و ما تراه الطيور و ذلك الفرق المذهل ناتج عن أن الطيور تمتلك أربعة أنواع من الخلايا المخروطية في أعينها مقارنة بثلاثة فقط لدى البشر. هذا يعني أنها لا ترى فقط الألوان التي نراها نحن، بل يمكنها أيضًا رؤية الأشعة فوق البنفسجية!.

            في الخلاصة، نجد أن ما تنقله لنا أعيننا ليس الواقع و إنما تأويلاً له، و لا تخبرنا بالحقيقة بل بجزء منها. و عند التفكير في الأمر سندرك أن هذا التأويل و لو كان بسيطاً فإن له أثراً كبيراً في تشكيل وعينا عن الواقع و تعاملنا معه، ففي ضوء ما ذكرناه، تجد البعض يرتاح للون معين دون غيره، و تجد البعض الآخر قد وضع معان محددة لكل لون. 

ختاماً، كما أن للعقل طرقه الخاصة في التلاعب بما نراه، فنحن كذلك أوجدنا طرقنا الخاصة لخداعه و التلاعب به عن طريق ما يعرف بالخدع البصرية، و التي سنتحدث عنها في المرة القادمة.

أرجو أن يكون موضوعنا قد حقق لكم المتعة و الفائدة و أثار في أذهانكم أسئلة كثيرة و فتحها على آفاق جديدة. لا تبخلوا علينا بآرائكم في التعليقات.

Scroll to Top