الخدع البصرية

          عطفاً على ما ذكرناه في التدوينة السابقة،فإننا وجدنا أن عملية الإبصار ما هي إلا عملية تأويل للواقع حسب افتراضات مسبقة بشكل لا واعي. و قد تناولنا أحد أشكال هذا التأويل متمثلاً في عملية رؤية الألوان . و لكن ليس هذا هو الأسلوب الوحيد، فهناك أساليب و أشكال عدة، فكما قد يريك دماغك أشياء ليست بموجودة ،فإنه قد يجعلك تراها على عكس حقيقتها،فقد ترى المتحرك ثابتاً،و المستقيم معوجاً،و ربما كلاهما في آن واحد،بل و تصدق بكل ذلك!.

فن الخداع البصري:

         منذ الأزل و إلى الآن، أُسحِر الفلاسفة و الفنانون بالعين البشرية و تركيبها و آلية عملها مع الدماغ في عملية الرؤية وما ينطوي عليه ذلك من جوانب فنية وفلسفية. فأدى ذلك إلى تطويرهم طرقاً لفهمها أكثر،بل و تطويعها في أعمالهم ،فظهر لنا ما يعرف بفن الخداع البصري، فماذا نعني به؟.

ما هو الخداع البصري؟

يمكن تعريف الخدعة البصرية على أنها تضليل يتعرض له الناظر نتيجة تشكل صورة في خياله على الشبكية ناجمة عن مجموعة معلومات مغلوطة وغير منطقية وغير موجودة أصلا في الحياة العملية، وهذه المعلومات قامت تلك الصورة الخاطئة ببثها وإرسالها إلى العقل على شكل إشارة، ويؤدي هنا العقل دور المتلقي أو المستقبل، ولا يخفى علينا أن للعين دوراً مساعداً في ذلك؛ فعين الإنسان جمعت تلك المعلومات المتشعبة وغير المنطقية ونشرتها على سطح الدماغ وبين تلافيفه.

أنواع الخدع البصرية:

يمكن تقسيم الخدع البصرية إلى عدة أنواع بناءاً على الأسلوب الذي تم الاعتماد عليه في تصميمها:

  • خدع بصرية تعتمد على الأشكال الهندسية.
  • خدع بصرية تعتمد على الألوان.
  • خدع بصرية تعتمد  على الظل.
  • خدع بصرية تعتمد على تحريك الصور.
  • خدع بصرية تعتمد على الأحجام والقياسات.

و قد توجد بعض الخدع التي تجمع بين عدة أساليب في آن واحد.

نماذج:

في هذه الفقرة سنعرض مجموعة من الخدع البصرية و سنفسِّر ببساطة ما الذي أدّى إلى تضليل عقولنا و أعيننا بهذا الشكل:

1.وهم جدار المقهى

تسمى الخدعة في الصورة أعلاه بوهم جدار المقهى. إنه نوع من الأوهام الهندسية التي تجعل الخطوط الأفقية في الرسمة تبدو مائلة مع أنها في الحقيقة مستقيمة ومتوازية!.

ينتج الوهم عن طريقة ترتيب المربعات السوداء والبيضاء. تخلق الألوان المتناقضة نمطًا يسمى ب moiré  ، وهو نوع من نمط التداخل يمكن رؤيته عندما يتم تراكب شبكتين فوق بعضهما البعض بزاوية. في وهم جدار المقهى ، يتم إنشاء نمط moiré بواسطة المربعات السوداء والبيضاء نفسها ، والتي يتم ترتيبها في نمط متباعد قليلاً.

يخلق نمط moiré وهم الانحناء لأنه يخدع العين في رؤية المربعات مائلة بزاوية. وهذا بدوره يجعل الخطوط الأفقية تبدو منحنية.

و تقول بعض التفسيرات أيضاً إن القطبية اللونية عامل مهم في هذا الوهم البصري. والقطبية اللونية هي ظاهرة بصرية تحدث عندما تظهر منطقة مضيئة أكبر من منطقة مظلمة بنفس السطوع. أي أنه عندما ننظر إلى منطقة مضيئة، تطلق خلايانا المستقبلة للضوء إشارات كهربائية أكثر من عندما ننظر إلى منطقة مظلمة و تترجم أدمغتنا هذه الإشارات إلى صورة بصرية، مما يجعل المنطقة المضيئة تبدو أكبر. هذا يعني أن أدمغتنا ترى المربعات البيضاء أكبر من السوداء مما يساهم في خلق هذا التأثير.

و من الملاحظات المثيرة للاهتمام انه حينما يتم استبدال اللونين الابيض و الاسود بلونين آخرين ، فإن الخدعة تختفي تماماً!.

فيما يلي بعض التفاصيل الإضافية(لمحبي التفاصيل) حول وهم جدار المقهى:

  • سمي الوهم على اسم جدار مقهى في فرنسا
  • يمكن رؤية الوهم بسهولة أكبر إذا قمت بتضييق عينيك أو عرض الصورة من مسافة بعيدة.

2.رقعة الشطرنج في الظل:

ماذا نرى؟

تظهر الصورة رقعة شطرنج مكونة من مربعات فاتحة وأخرى داكنة، يغطيها ظّل جزئي من جسم آخر. ويكمن الخداع البصري في أن المنطقة المسماة A تبدو بلون أغمق من المنطقة المسماة B. لكن في الواقع، وفي سياق الصورة ثنائية الأبعاد، فإن كلا المنطقتين لهما نفس الدرجة من اللون الرمادي.

قد لا تصدق هذا لكن عند رسم خط مستقيم بين هذين المربعين فإنه يظهر أن لهما نفس اللون(لن أكذب عليكم، ستحتاجون إلى النظر إليها بتمعن حتى تستطيعوا ملاحظة ذلك، لكن شعور الدهشة بعدها يستحق المحاولة!)

لماذا يحدث هذا؟

يحدث وهم رقعة الشطرنج في الظل بسبب ظاهرة تسمى “تباين السطوع المتزامن”. تميل عقولنا إلى مقارنة سطوع المناطق المختلفة في مجال رؤيتنا، وعندما تكون المناطق المحيطة مظلمة (مثل المربعات المظللة)، فإنها تجعل المناطق الساطعة تبدو أكثر سطوعًا، والعكس صحيح. لذا، في حين أن المربعات الموجودة في الظل لها نفس اللون الرمادي للمربعات المضيئة، فإن تباين السطوع مع محيطها يخدع عقولنا في إدراكها على أنها أغمق بكثير.

3.غرفة أميس:

غرفة أميس هي غرفة مشوهة رائعة تخلق خداعًا بصريًا يجعل الأشخاص يبدون وكأنهم يتغيرون في الحجم أثناء تحركهم من جانب واحد من الغرفة إلى الجانب الآخر.

كيف تعمل؟

الغرفة ليست مستطيلة في الواقع، بل هي على شكل شبه منحرف، تتقارب الجدران والسقف عند الطرف البعيد. كما يميل الأرضية أيضًا إلى الأعلى من اليسار إلى اليمين.

يخلق هذا الشكل المشوه، جنبًا إلى جنب مع النمط المتقلب على الأرضية ووضع النوافذ، خداعًا بصريًا لتغيير الحجم.

تاريخ غرفة أميس:

اخترع غرفة أميس عام 1946 أديلبرت أميس الابن، طبيب عيون وعالم نفس أمريكي. لقد ابتكر الغرفة لدراسة كيفية إدراك أدمغتنا للعمق والحجم.

العين والدماغ: شركاء الجريمة

يعمل العين و الدماغ في تناغم تام، حيث تعمل أعيننا ككاميرات دقيقة تلتقط الضوء وتحوله إلى إشارات كهربائية عبر مستقبلات الضوء في شبكية العين. تنتقل هذه الإشارات إلى الدماغ عبر العصب البصري. و من ثمّ  يستقبل الدماغ  تلك البيانات البصرية الخام ويبدأ المهمة المعقدة في تفسيرها حيث يدمج تلك المعلومات البصرية مع المدخلات الحسية الأخرى والذكريات والخبرات السابقة لبناء واقع إدراكي. يشمل ذلك ملء الفجوات وتصفية الضوضاء ووضع افتراضات بناءً على السياق.

لكن لم نعرف بعد ما هي تلك الجريمة؟

في الحقيقة، إن ميل الدماغ لملء الفجوات أو وضع افتراضات عند حصوله على معلومات مضللة أو غير مكتملة من العين هوما يؤدي إلى تلك الخدع البصرية الرائعة.

قد يتبادر إلى ذهنك سؤال الآن، هل هذا قصور بأدمغتنا؟

لا طبعاً ، إن قدرة الدماغ على ملء الفجوات عند حصوله على معلومات غير مكتملة هي التي تمنح البشر القدرة على التصرف السريع عند مواجهة المخاطر ولولاها لما بقينا على قيد الحياة حتى الآن.

الوعي و الإبصار:

إن هذه العلاقة بين العمليات البصرية والوعي والإدراك مبعث للكثير من التساؤلات وما ذكرناه عنها ما هو إلا غيض من فيض،فهل تودون أن نفرد لها سلسلة خاصة بها في المدونة يومًا ما؟ .

ختاماً:

optical illusions

في هذا الموقع يوجد العديد من الخدع البصرية المميزة مصحوبة بشرح لها،استمتعوا بها في وقت فراغكم!.

أرجو أن يكون موضوعنا قد حقق لكم المتعة و الفائدة و أثار في أذهانكم أسئلة كثيرة و فتحها على آفاق جديدة. لا تبخلوا علينا بأفكاركم و خواطركم في التعليقات.

Scroll to Top